Friday, January 11, 2008

الجهــاد


كتبت : 1 مايو 2005

أولاً و قبل أن أتطرق لموضوع أعلم مسبقاً أن كثير منكم قد يرانى مخطئة لتناول مثل هذا الموضوع و البعض الأخر قد يرى خطأ طريقة تناوله و لكن كما قيل "رأيى صواب يحتمل الخطأ و رأى غيرى خطأ يحتمل الصواب" . رجاء ألا يستبق أحدكم الأحداث و يصل إلى نتيجة كلامى ذلك قبل أن يقرأ ه إلى نهايته قراءة مستفيضة .

كنت أتابع يوماً مسلسلاً أمريكياً تدور أحداثه فى مدرسة و كانت الحلقة تدور حول الدين داخل المدرسة و أحداث الحلقة تدور بعد أحداث 11 سبتمبر الشهيرة . و كان أحد المدرسين حانقاً أشد الحنق لأنه لا يجب على المدرسيين تشجيع الطلبة على الإتجاهات الدينية داخل المدرسة . و كان رأيه أنه وقت يدخل الدين ، يخرج العقل .
فى البداية توقفت كثيراً عند تلك العبارة ، رفضتها فى البداية معتبره أنها مجرد تخريف . فما دخل الدين بالعقل . و على الرغم من مرور وقت طويل إلا أن تلك العبارة لم تمحى من عقلى ، و أخذت أرى ما يحدث حولى من منظورها . و لأول مرة أعدت قراءة التاريخ من منظور تلك العبارة . رغبة منى فى معرفة مدى إنطباقها على الواقع و مدى صدقها أو كذبها .
و و جدت أن الخطأ ليس فى العبارة التى قد توحى للكثير بأن الدين ضد العقل و لكن الخطأ فى هذه الإحياء الذى يصل إلينا عندما نسمع مثل تلك العبارة ، لأن هذا الإيحاء و هذا الغضب و الرفض لتلك العبارة ، و الذى هو شئ طبيعى جداً ، هو ما تقصده العبارة بالضبط . فحينما يتعلق الأمر بالعقيدة ، أية عقيدة ، تتحكم فى الإنسان مشاعره دون عقله و نجد هنا أن العيب ليس عيب العقيدة ، مرة أخرى أية عقيدة ، و لكن عيب ردود الأفعال البشرية التى تختلف بإختلاف الخلفية و الثقافة و البيئة المحيطة و حتى الطقس . فردود أفعالنا كبشر تختلف صيفاً و شتائاً و تختلف حسب مرحلتنا العمرية و تختلف بين المتعلمين كل على قدر تعليمه . و كل هذه الأسباب بعيدة كل البعد عن الدين و العقيدة . و على الرغم من ذلك لا يزال البعض منا يرى أن ما يفعله و هو رأيه الشخصى البحت هو من الدين و أن رد فعله هذا نابع من العقيدة و يبدأ بالتصرف كما لو كان هو حامى حمى الدين و كما لو كان وحده هو الصواب و يجعل شعاره رأيى صواب لا يحتمل الخطأ و رأى غيرى خطأ لا يحتمل الصواب .
و فى عبارة وجيزة نعم عندما يدخل الدين يخرج العقل ، ليس لأن الدين ، أى دين ، ينهى عن إستخدام العقل و لكن لأن البشر ، و الذين حاربوا ديانات التوحيد على مر الزمن من أجل الشرك تارة و الإلحاد تارة ، يفقدوا صوت العقل وسط طبول الدفاع عن العقيدة . بغض النظر إن كانت هذه العقيدة هى دين يدعو إلى الله الواحد الأحد أو دين يدعو إلى أن يحمل كل منا إلهه فى يديه . فمنذ إبراهيم و البشر يدافعون عن عقائدهم التى ورثوها كابر عن كابر ضد صوت العقل القائل بأن الله واحد أحد . و بعد أن آمن معظم البشر بالوحدانية لا يزال الموحدين كل يحارب الأخرين لآنهم لا يؤمنون بالوحدانية بطريقته . و حتى داخل الدين الواحد ينقسم الناس طوائف و لا ترى طائفة غير صواب رأيها و خطأ الأخرى . تناحر متوارث كابر عن كابر . لا علاقة له بالعقل .
و يزداد الأمر سوءاً عندما يتحدث أنصاف المتعلمين عن الدين . ليستغلوا ضعف العامة و الخوف الغريزى من الله لتحقيق أهدافهم الشخصية ، مع حسن النية أو سوئها ، فنرى قديماً أوروبا تغشاها ظلمة الجهل و يقف على بابها بابا يبيع صكوك الغفران . فى الوقت الذى يحرق فيه كل مجدد و مبتكر بتهمة الهرطقة . و نرى صورة مماثلة لبابا روما المتاجر بالغفران و محارق العلم فى كل مكان و كل زمان . فكل تجديد بدعة و كل مبدع مهرطق مصيره النار .
ووسط كل هذا يظهر المجد الذى كان كطيف يتعلق به الكثيرون و نجد الكثير من الأصوات التى تطالب بالتمسك بما كلن يفعله السلف لنحقق ما ححققوه . و نجد أخرين يروجون لنظرية المؤامرة و لا نجد من بيننا صوتاً يقول أن السلف لم ينظروا إلى سلفهم حينما أناروا ظلام العالم ، بل سلفنا كانوا محدثين زمانهم و لم تزل دولتهم إلا حين جاء من جاء منهم منادياً بنداء الماضى تاركاً مستقبله . و من يروج لنظرية المؤامرة متراخى يحمل أسباب فشله على غيره فى حين نجح غيره دون النظر للمؤامرات . و يظهر الجهاد كسبيل يجب أن نسلكه مرة لأنه كان سبيل السلف و مرة للقضاء على المؤامرات التى تحاك ضدنا .
و لكن ما هو الجهاد . و هل الجهاد هو مطلب دينى أم مطلب دنيوى . هل الجهاد هو فقط القتل أم الجهاد أبعد من مجرد سفك الدماء .
فى رأيى الجهاد هو وسيلة و ليس غاية . و لذا الجهاد فى معناه يبعد كل البعد عن القتل . أى أنه لا يمكن إستخدام كلمتى الجهاد و القتل كمترادفتين . و لم يكن الجهاد تاريخياً هو القتل . قد يكون الجهاد يشمل فى جانب من جوانبه الحرب من أجل العقيدة . و لكن أيضاً حتى الحرب و القتل لا يمكن إستخدامهم كمترادفتين .
و لكن لأن العقل يصبح بلا صوت أمام ثورة المشاعر من أجل العقيدة ، فجأة تصبح كلمات مثل الجهاد و القتل و الحرب كلها كلمات مترادفة على الرغم من أنها غير ذلك . و يصبح فرضاً على كل مؤمن بعقيدته ، الجهاد من أجل إعلاء تلك العقيدة مما يعنى بالضرورة فى غياب العقل أن يقتل كل من ليس على تلك العقيدة .
و بذلك نجد أن الجهاد أصبح كلمة موصومة و تهمة فى أغلب الأحيان . لأن أنصاف المتعلمين من أمثال بائع صكوك الغفران و الذين يضعهم الجهلة فى مراتب الأنبياء و القديسيين يستخدمون المشاعر البشرية نحو العقيدة و الميل الغريزى نحو تحقيق الأهداف و الكلمات الرنانة مثل الجهاد لتحقيق أهداف شخصية و دنيوية بعيدة كل البعد عن الهدف الظاهر و هو إعلاء كلمة العقيدة أو الإنتصار لحقوق الله .
يصبح المشهد أكثر وضوحاً ، بالمثال الصارخ للحوادث الإرهابية فى مصر بدعوى الجهاد . و تلك الحوداث بدأت بدعوى لتكفير الحكومة و غير المسلمين و الأجانب . و عمليات منظمة لغسيل المخ و البرمجة البشرية ليتم إلغاء دور العقل البشرى الذى وهبه الله للبشر و فضلهم به على كافة مخلوقاته . و تصبح النتيجة الطبيعية هى عواصف من القتل العشوائى و الإغتيالات بعد أن أصبح القتل و الجهاد مترادفين رغم أنهم غير مترادفين فى اللغة . و تعيش مصر فترة كثر فيها الضحايا من المصريين سواء أن كانوا من القتلة أو المقتولين . فكلاهما فى نظرى ضحايا . و لكن ما هى نتائج تلك الموجة من الجهاد المزعوم . واحدة من النتائج هى التأثير السلبى على السياحة المصرية و هى واحدة من أكبر الموارد فى مصر . ( مصر تعتمد على ثلاث موارد : صادرات البترول ، قناة السويس و السياحة ) لنجد أن مصر تفقد واحد من أهم مواردها نتيجة لأن بعض من أبنائها قرروا الجهاد ضد هذا المورد . ثم نجد أن خيرة شباب مصر يقتل على يد بعض البرامج البشرية التى تستهدف القتل بلا إعمال للعقل . و بذلك تفقد مصر مورد هام أخر . و أخيراً نجد أن من يقوموا بتلك العمليات الجهادية فى رأيهم قد خسروا كل شئ . قد خسروا بلدهم و جعلوا الحياة أصعب من أجل إخوانهم فى هذا البلد و خسروا أنفسهم بعد ان باعوا عقولهم لبائعى صكوك الغفران .
و بعد إنحسار موجة التخريب بإسم الجهاد فى مصر نجد نكرة أو نكرات جدد . يحيوا فكرة ترادف القتل مع الجهاد . تفجير فى الأزهر ، منتحر يفجر نفسه فى مجموعة من السائحين ، ثم تفجير فى ميدان عبد المنعم رياض ، منتحر أخر يسعى إلى جنة ربه على رقاب العزل الأمنين ، و فتاتان يفترض بمظهرهم أنهم على قدر كبير من التقوى تطلقان النار على ركب من العزل مروعين المارة .
لا أعلم إن كان منكم من يؤمن بأن ما فعله هؤلاء هو قطعاً جهاد و واجب . و لكن إن كان هناك منكم من يؤمن أن ما فعله هؤلاء النكرات هو عين الصواب رجاءاً منه أن يعمل عقله و يحاول وضع الفوائد من مثل تلك الإنتحارات . و بعد أن يجد تلك الفوائد رجاءاً أن يتوجه إلينا برأيه حتى تعم الفائدة . و لا ينسى أن يذكر لنا ميعاد إنتحاره الجهادى و مكانه حتى نحمل السلاح ضده حتى يصبح لجهاده معنى .
مرة أخرى نعم عندما يدخل الدين يخرج العقل ، ليس عيباً فى الدين ، أى دين ، و لكن العيب فى العقول التى لا تعى ما الدين .
(لم يقتل الرسول صلى الله عليه وسلم أعزلاً و قال لأهل مكة إذهبوا فأنتم الطلاقاء . و لكم فى رسول الله أسوة حسنة) .


شيماء جمال

No comments: