من يكتب التاريخ ؟ الإجابة الأكثر شيوعًا ، و منطقية ، هي " التاريخ
يكتبه المنتصر " . لكنها إجابة مطلقة تنفي حقيقة مهمة عن التاريخ . التاريخ
ليس تسجيلًا لوقائع ثابتة ، بل هو " حدوتة " تتبع هوى الراوي .
يسجل المنتصر مجده . يشكك المهزوم في الهزيمة ويخلق قصة موازية ( تاريخ
موازي ) ويكررها بإلحاح حتى تجد من يدافع عنها و في بعض الأحيان من يستبدلها بقصة
المنتصر . فالتاريخ كما وصفه نابيلون ، ما هو إلا أسطورة مُتفق عليها .
لذا فمن يكتب التاريخ حقا ليس فقط رواته ، بل أيضا مصدقيه . إذا لم تجد
رواية المنتصر من يصدقها لما أصبحت حقيقة تاريخية . وإن وجد المهزوم ، و لو بعد
حين ، من يصدق روايته لأصبحت هي الحقيقة الوحيدة .
التاريخ يكتبه الفرد ، مرة بصناعة أحداثه ، و مرة برواية " نسخته من
الحدوتة " ، و مرة بتصديق " نسخة الحقيقة المفضلة لهواه " .
ويبدو أن الدكتورة رضوى عاشور تعي جيدًا هذه الحقيقة ، فقررت تدوين ما تظنه
تاريخ " ثورة يناير " عل الرواية تجد من يصدقها و ينشرها على إنها
الحقيقة .
كان يجب أن يأتي هذا الكتاب بتحذير على الغلاف : عزيزي القارئ قبل أن تفكر
في قراءة هذا الكتاب يجب أن تتأكد أولًا من إنك من "عُباد يناير " ، و
ثانيًا أن لديك حساب على موقع " تويتر " و ثالثًا و أخيرًا يجب أن تكون
من محبي الدكتورة رضوى عاشور حتى " تبلع لها الزلط " .
فرضوى تعدك على غلاف الكتاب بمقاطع من سيرتها الذاتية لكنها لا تفي بالوعد
، تسجل رضوى في هذا الكتاب يوميات محتوى مواقع التواصل الإجتماعي عن "ثورة
يناير" . تتخلل فصول اليوميات "إسكتشات" – بعضها مكتوب بشغف - عن
المرض وأشخاص مروا بحياتها وإعتذار عما تسببه تفاصيل الكتاب من ملل .
تبدأ رضوى بسر الإسم ، إسمها و إسم الكتاب . تنتقل لسر المرض . تبدو
البداية واعدة بسيرة ذاتية غنية لكنها
تنقل فجأة من الذاتية للسياسة . تحاول رضوى في الجزء الأول من الكتاب إثبات شئ
واحد . " أنا جزء من يناير " حتى و إن منعني المرض من المشاركة في
الثمانية عشر يومًا التاريخية .
تكتب رضوى تاريخ نضالها بطريقة “self
congratulatory” تحتفي رضوى بنفسها و بتاريخها النضالي . تلازمها
الإحتفائية بالذات في كل فصول الكتاب . " أنا كنت صح " ، " كنا
رجالة و وقفنا وقفة رجالة " .. إلخ من المعاني . تنتقل الإحتفائية بالذات إلى
تقديس مجموعة أفكار روجت لها " الثورة " أو للدقة مجموعة ممن ينتمون
للتيارات المؤيدة لحراك يناير .
مصطلحات مثل " إنتهاكات الجيش " ، " بلطجة الداخلية "
، " الشهداء " تتحول من وجهات
نظر إلي حقائق / بديهيات مقدسة في الكتاب .
تذكر الدكتورة فيما تذكر إشاعة روج لها بعض المنتمين ليناير بأن الجيش
يستخدم غازات محرمة دوليًا ضد المتظاهرين . الشئ الذي ثبت مع الوقت كذبه . و لم
تستطع الدكتورة في الكتاب إثباته . لكنها ذكرت الرواية من باب التأريخ . عل
الرواية تجد صدى لدى المتلقي و تنتشر كحقيقة .
توثق رضوى في الكتاب كل الروايات التي تصادف هواها سواء كانت جزء منها أم
كانت من متابعيه على شاشات التلفاز و مواقع التواصل الإجتماعي .
لم تهتم الدكتورة رضوى بتحري الدقة اللازمة للتأريخ للأحداث . إهتمت طول
صفحات الكتاب بذكر " نسختها من قصة الثورة " على إنها الحقيقة المطلقة .
ضمت مثلا ، مأساة حادث إستاد بورسعيد ، لمعارك الثورة . أطلقت عليها مجزرة
إستاد بورسعيد ، كما لو كان هؤلاء الصبية كانوا في معركة مع عدو غادر .
ما حدث في بورسعيد ليس له علاقة " بالثورة " ، كان حادث مأساوي
ناتج عن إهمال و سوء تقدير لمخططات أحداث لعنف كروي منتشر في أنحاء العالم .
لكنها الأسطورة المتفق عليها .. إتفق " الثورجية " إنها خطة ضد
" الألتراس " . و قررت الدكتورة تسجيلها كحقيقة في كتابها لتنتشر و تجد
لها صدى يوما ما و لو كان بعيدًا .
و من العجيب أن تفرد الدكتورة فصلا لشرح مؤامرة سايكس بيكو ، لكنها في نفس
الوقت تنفي كون " الربيع العربي " مؤامرة مشابهة !
بالوصول لمنتصف الكتاب تقريبًا ، تدرك الكاتبة أن نصها لا يمت بصلة للسير
الذاتية . تفرد فصلا لشرح الفرق بين السيرة الذاتية و المذكرات . ثم تشرح أن ما
تكتبه أقرب لليوميات من اللونين السابق شرحهم .
يسبق هذا الفصل بقليل ، فاصل قصير
عن الكتابة . واحد من الفواصل القليلة المكتوبة بشغف و الممتعة في الكتاب مع فاصل
قصير عن محمود درويش .
لم يفت الدكتورة الإشارة لما يبدو إنه صراع أجيال . بدأت بالإشارة لهذا
الصراع بحكاية قصيدة إبنها تميم " يا مصر هانت و بانت " . تحكي أنها
إنتقدت أبيات بالقصيدة تخون من لا ينضم " للثوار " بالميدان . لكن تميم
أصر . ثم عقبت أنها كانت على خطأ لإن كثيرين إعترفوا أن تلك الأبيات كانت السبب في
حماسهم .
تعود لتذكر الشباب مرارًا بشئ من الإنبهار ، أو على الأقل كان هذا هو
الإنطباع من الكلمات . كما أكدت في أحد الفقرات أن ذكرها للشباب ضمن التأريخ
للنضال ليس له علاقة بفكرة " نقل الشعلة " . و إنها ستينية مريضة لا
تقوى على ما يوقوا عليه ( نقل شعلة ده ولا مش نقل ؟! )
يعاودها المرض فتعود لذكرياته و تترك السياسة و التحرير مؤقتًا .
تأثرت الدكتورة رضوى كثيرًا بمواقع التواصل الإجتماعي و طريقة مشاركة
المحتوى بها . ليس فقط في سرد " أكاذيب التحرير " و لكن أيضًا في طريقة
الكتابة .
في أجزاء كثيرة من الكتاب كنت أشعر كما لو أني أقرأ " نوت " على
" فيسبوك " أو تجميع لتغريدات على " تويتر " . بجانب أنها
ذكرت الكثير من أسماء " شباب الثورة "
لم أكن لأعرفهم لولا مشاركتي على مواقع " تويتر " و "
فيسبوك " .
مين نوارة و سلمى و منى ؟ سؤال يطرحه أي قارئ غير متابع لشبكات التواصل
الإجتماعي المصرية .
أثارتني يقينية الدكتورة رضوى في الوصم . فالطالب كبير السن هو كاتب تقارير
و الطالب المعترض على وقفتها الإحتجاجية هو بلطجي . ترى كل شئ من منظور واحد فقط و
منظورها فقط هو اليقين .
إزاي واثقة كده ؟ ليه مافيش هامش شك ؟
يقين في الوصم يتبعه مواقف متشددة . تحفل صفحات الكتاب بأمثلة . تدل كما
أرادت لها رضوى على " ثورة يناير " . و كما أرادت لها رضوى فهي "
حدوتة للتاريخ " لذا تخضع لتقيمه .
يقينيه الوصم و تشدد المواقف بناءً عليها كانت من أهم مشاكل معسكر "
الثورجية " الذي تمثله رضوى .
أوهام تتحول لحقائق و من ثم مواقف .. و مواقف تقود إلى أخطاء و معارك و
دماء .. مما يؤدي للمزيد من الأوهام و المواقف و الأخطاء و المعارك و الدماء .. دائرة " الثورة " / الهدم المفرغة .
وبعد أن تتوه في 385 صفحة من 393 صفحة من
يوميات " الثورة " وتفاصيل المرض و الإسكتشات القليلة المكتوبة
بشغف تصل لفصل الختام حيث تعود رضوى في
الختام لبيت أبيها ، صورة مكملة لصورة الإفتتاحية . و تصل بها إلى إستنتاج جميل
الصياغة ملخصه .. " الثورة مستمرة
" !
=======================
الكتاب : أثقل من رضوى
التصنيف : سير ذاتية
عدد الصفحات : 393
الكاتب : رضوى عاشور
No comments:
Post a Comment