Tuesday, February 11, 2014

رضوى تكتب التاريخ







من يكتب التاريخ ؟ الإجابة الأكثر شيوعًا ، و منطقية ، هي " التاريخ يكتبه المنتصر " . لكنها إجابة مطلقة تنفي حقيقة مهمة عن التاريخ . التاريخ ليس تسجيلًا لوقائع ثابتة ، بل هو " حدوتة " تتبع هوى الراوي .

يسجل المنتصر مجده . يشكك المهزوم في الهزيمة ويخلق قصة موازية ( تاريخ موازي ) ويكررها بإلحاح حتى تجد من يدافع عنها و في بعض الأحيان من يستبدلها بقصة المنتصر . فالتاريخ كما وصفه نابيلون ، ما هو إلا أسطورة مُتفق عليها .

لذا فمن يكتب التاريخ حقا ليس فقط رواته ، بل أيضا مصدقيه . إذا لم تجد رواية المنتصر من يصدقها لما أصبحت حقيقة تاريخية . وإن وجد المهزوم ، و لو بعد حين ، من يصدق روايته لأصبحت هي الحقيقة الوحيدة .
التاريخ يكتبه الفرد ، مرة بصناعة أحداثه ، و مرة برواية " نسخته من الحدوتة " ، و مرة بتصديق " نسخة الحقيقة المفضلة لهواه " .

ويبدو أن الدكتورة رضوى عاشور تعي جيدًا هذه الحقيقة ، فقررت تدوين ما تظنه تاريخ " ثورة يناير " عل الرواية تجد من يصدقها و ينشرها على إنها الحقيقة .


كان يجب أن يأتي هذا الكتاب بتحذير على الغلاف : عزيزي القارئ قبل أن تفكر في قراءة هذا الكتاب يجب أن تتأكد أولًا من إنك من "عُباد يناير " ، و ثانيًا أن لديك حساب على موقع " تويتر " و ثالثًا و أخيرًا يجب أن تكون من محبي الدكتورة رضوى عاشور حتى " تبلع لها الزلط " .

فرضوى تعدك على غلاف الكتاب بمقاطع من سيرتها الذاتية لكنها لا تفي بالوعد ، تسجل رضوى في هذا الكتاب يوميات محتوى مواقع التواصل الإجتماعي عن "ثورة يناير" . تتخلل فصول اليوميات "إسكتشات" – بعضها مكتوب بشغف - عن المرض وأشخاص مروا بحياتها وإعتذار عما تسببه تفاصيل الكتاب من ملل .
تبدأ رضوى بسر الإسم ، إسمها و إسم الكتاب . تنتقل لسر المرض . تبدو البداية واعدة بسيرة ذاتية غنية  لكنها تنقل فجأة من الذاتية للسياسة . تحاول رضوى في الجزء الأول من الكتاب إثبات شئ واحد . " أنا جزء من يناير " حتى و إن منعني المرض من المشاركة في الثمانية عشر يومًا التاريخية .

تكتب رضوى تاريخ نضالها بطريقة “self congratulatory”   تحتفي رضوى بنفسها و بتاريخها النضالي . تلازمها الإحتفائية بالذات في كل فصول الكتاب . " أنا كنت صح " ، " كنا رجالة و وقفنا وقفة رجالة " .. إلخ من المعاني . تنتقل الإحتفائية بالذات إلى تقديس مجموعة أفكار روجت لها " الثورة " أو للدقة مجموعة ممن ينتمون للتيارات المؤيدة لحراك يناير .
مصطلحات مثل " إنتهاكات الجيش " ، " بلطجة الداخلية " ،  " الشهداء " تتحول من وجهات نظر إلي حقائق / بديهيات مقدسة في الكتاب .


تذكر الدكتورة فيما تذكر إشاعة روج لها بعض المنتمين ليناير بأن الجيش يستخدم غازات محرمة دوليًا ضد المتظاهرين . الشئ الذي ثبت مع الوقت كذبه . و لم تستطع الدكتورة في الكتاب إثباته . لكنها ذكرت الرواية من باب التأريخ . عل الرواية تجد صدى لدى المتلقي و تنتشر كحقيقة .

توثق رضوى في الكتاب كل الروايات التي تصادف هواها سواء كانت جزء منها أم كانت من متابعيه على شاشات التلفاز و مواقع التواصل الإجتماعي .

لم تهتم الدكتورة رضوى بتحري الدقة اللازمة للتأريخ للأحداث . إهتمت طول صفحات الكتاب بذكر " نسختها من قصة الثورة " على إنها الحقيقة المطلقة .

ضمت مثلا ، مأساة حادث إستاد بورسعيد ، لمعارك الثورة . أطلقت عليها مجزرة إستاد بورسعيد ، كما لو كان هؤلاء الصبية كانوا في معركة مع عدو غادر .
ما حدث في بورسعيد ليس له علاقة " بالثورة " ، كان حادث مأساوي ناتج عن إهمال و سوء تقدير لمخططات أحداث لعنف كروي منتشر في أنحاء العالم .
لكنها الأسطورة المتفق عليها .. إتفق " الثورجية " إنها خطة ضد " الألتراس " . و قررت الدكتورة تسجيلها كحقيقة في كتابها لتنتشر و تجد لها صدى يوما ما و لو كان بعيدًا .

و من العجيب أن تفرد الدكتورة فصلا لشرح مؤامرة سايكس بيكو ، لكنها في نفس الوقت تنفي كون " الربيع العربي " مؤامرة مشابهة !

بالوصول لمنتصف الكتاب تقريبًا ، تدرك الكاتبة أن نصها لا يمت بصلة للسير الذاتية . تفرد فصلا لشرح الفرق بين السيرة الذاتية و المذكرات . ثم تشرح أن ما تكتبه أقرب لليوميات من اللونين السابق شرحهم .
يسبق هذا الفصل  بقليل ، فاصل قصير عن الكتابة . واحد من الفواصل القليلة المكتوبة بشغف و الممتعة في الكتاب مع فاصل قصير عن محمود درويش .


لم يفت الدكتورة الإشارة لما يبدو إنه صراع أجيال . بدأت بالإشارة لهذا الصراع بحكاية قصيدة إبنها تميم " يا مصر هانت و بانت " . تحكي أنها إنتقدت أبيات بالقصيدة تخون من لا ينضم " للثوار " بالميدان . لكن تميم أصر . ثم عقبت أنها كانت على خطأ لإن كثيرين إعترفوا أن تلك الأبيات كانت السبب في حماسهم .
تعود لتذكر الشباب مرارًا بشئ من الإنبهار ، أو على الأقل كان هذا هو الإنطباع من الكلمات . كما أكدت في أحد الفقرات أن ذكرها للشباب ضمن التأريخ للنضال ليس له علاقة بفكرة " نقل الشعلة " . و إنها ستينية مريضة لا تقوى على ما يوقوا عليه ( نقل شعلة ده ولا مش نقل ؟! )

يعاودها المرض فتعود لذكرياته و تترك السياسة و التحرير مؤقتًا .

تأثرت الدكتورة رضوى كثيرًا بمواقع التواصل الإجتماعي و طريقة مشاركة المحتوى بها . ليس فقط في سرد " أكاذيب التحرير " و لكن أيضًا في طريقة الكتابة .

في أجزاء كثيرة من الكتاب كنت أشعر كما لو أني أقرأ " نوت " على " فيسبوك " أو تجميع لتغريدات على " تويتر " . بجانب أنها ذكرت الكثير من أسماء " شباب الثورة "  لم أكن لأعرفهم لولا مشاركتي على مواقع " تويتر " و " فيسبوك " .

مين نوارة و سلمى و منى ؟ سؤال يطرحه أي قارئ غير متابع لشبكات التواصل الإجتماعي المصرية .

أثارتني يقينية الدكتورة رضوى في الوصم . فالطالب كبير السن هو كاتب تقارير و الطالب المعترض على وقفتها الإحتجاجية هو بلطجي . ترى كل شئ من منظور واحد فقط و منظورها فقط هو اليقين .
إزاي واثقة كده ؟ ليه مافيش هامش شك ؟

يقين في الوصم يتبعه مواقف متشددة . تحفل صفحات الكتاب بأمثلة . تدل كما أرادت لها رضوى على " ثورة يناير " . و كما أرادت لها رضوى فهي " حدوتة للتاريخ " لذا تخضع لتقيمه .
يقينيه الوصم و تشدد المواقف بناءً عليها كانت من أهم مشاكل معسكر " الثورجية " الذي تمثله رضوى .

أوهام تتحول لحقائق و من ثم مواقف .. و مواقف تقود إلى أخطاء و معارك و دماء .. مما يؤدي للمزيد من الأوهام و المواقف و الأخطاء و المعارك و الدماء  ..  دائرة " الثورة " / الهدم المفرغة .



وبعد أن تتوه في 385 صفحة من 393 صفحة من  يوميات " الثورة " وتفاصيل المرض و الإسكتشات القليلة المكتوبة بشغف  تصل لفصل الختام حيث تعود رضوى في الختام لبيت أبيها ، صورة مكملة لصورة الإفتتاحية . و تصل بها إلى إستنتاج جميل الصياغة ملخصه ..  " الثورة مستمرة " !



=======================

الكتاب : أثقل من رضوى
التصنيف : سير ذاتية
عدد الصفحات : 393
الكاتب : رضوى عاشور 


No comments: