Tuesday, September 17, 2013

كلنا فوزية


سك على بناتك واحدة من كلاسيكيات المسرح المصري . أصبحت من تكرار إذاعتها تلفزيونيًا ركن أساسي من أركان الإحتفال بالأعياد . و أصبح العديد من جمل حوارها محفوظة في أذهان المصريين .  
المسرحية أضحكت أجيال . و لكن بعيدًا عن جرعات الضحك . فالمسرحية فيها عرض عميق لصراع المرأة في المجتمع المصري .


في مسرحية سك على بناتك ثلاث نماذج لثلاث نساء . فوزية و نادية و سوسو .  
تبدأ المسرحية بفوزية بفستان الزفاف ، و يظهر من تحته بوضوح بنطالون بيجامة . فوزية قلقة من تأخر العريس ( حنفي ) لإنهم إتخانقوا قبلها بيوم . و لما سُألت فوزية عن سبب الخناقة أجابت " حاول يمسك إيدي يا بابا "


المسرحية لا تشرح كم من العمر تبلغ فوزية ، لكننا نتوقع إنها في أواسط أو أواخر الثلاثينيات . كانت محجرة ، على حد تعبير ابيها . 
قالت لنا المسرحية بطريقة غير مباشرة أن فوزية عانس  بتعريف مجتمعها ، أو كانت على مشارف العنوسة و أنقذها حنفي . 
فوزية فتاة متوسطة في كل شئ ، عادية إذا جاز التعبير . مثلها مثل كثيرات مثلها . 

تبدأ المسرحية بيوم زفاف فوزية الذي إنتظرته و إنتظره الجميع طويلا . 

 تمثل فوزية بفستانها ، بحنفيها ، بإيديها الناشفة ، بعلاقتها بأبوها و إخواتها الميراث الثقيل للمجتمع المصري الذي على الكثير من الفتيات أن يقاومنه أو يتعايشن معه ، كلٌ على حسب طاقتها .


فوزية فتاة مطيعة ، ملتزمة بالتقاليد و التعليمات . مثلا كانت لابسة بنطالون تحت الفستان ، يمكن لإنها هاتبات برة ، أو ممكن لإن السترة واجبة . تربينا أن البنت لازم تكون مستورة ، و يدلل على ذلك بالحديث ، رحم الله المتسرولات .

فوزية تشعر بالمسئولية ، ليس فقط تجاه إخواتها بعد موت أمهم و لكن تجاه زوج المستقبل . " هأغسل هدمتين حنفي " كانت إجابتها على سؤال هاتعملي إيه النهاردة . 

فوزية إتخانقت مع حنفي لما فكر بعد سبع سنين خطوبة يمسك إيدها .

فوزية إلتزمت بنموذج " الصح " الذي توقعه منها مجتمعها .

توقع المجتمع من فوزية أن تطيع والدها ، فأطاعته

توقع المجتمع  أن ترعى أخواتها ، فرعتهم

و توقع المجتمع أن تصون عفتها و لا تفرط حتى في لمسة يد . و قد كان . و لما حاول حنفي عرضًا أن يمسك يدها لمت عليه الناس


لكن رغم إلتزام فوزية بما توقعه منها الجميع كان إلتزامها هو المصدر الأساسي للسخرية في المسرحية . 

سخرت الأخوات من الأخت المتسرولة القلقة على غسيل شربات العريس في ليلة الزفاف . و ضحك المتفرجون

سخر الأب من إبنته التي إلتزمت تعليماته ، بعدم التفريط و لو بلمسة يد . و ضحك المتفرجون 

سخر العريس منها لاحقا بإدعاء علاقة مع ميرفت أمين . و ضحك المتفرجون


فشل إلتزام " الصح " في حماية فوزية من " غدر " و سخرية مجتمعها . أصبحت بإلتزامها الحيطة المايلة . 
الغدر و السخرية و أن تصبح الحيطة المايلة .  أن تكون " فوزية " هو شبح يطارد الكثير من " بنات " هذا الجزء من العالم .
في داخل كل بنت صراع طرف فيه فوزية .


فوزية ممثلة " الصح " كما تربينا . البنطالون تحت الفستان ، تحمل مسئولية البيت و العائلة ، المحافظة على عدم التفريط و لو حتى في لمسة يد . و يقابل فوزية ، شخصيتنا أو  " الصح " كما إكتشفنا ، إنه مش لازم بنطالون تحت الفستان ، و إن مسئولية البيت و العائلة ممكن أن يتشارك فيها أطراف عدة و أن " كنت سيبيه يمسكها يا فوزية " خيار مقبول و له فوائد مثل " يمكن كانت تطرى في إيده "

المشكلة في الصراع بين " الصح " و " الصح " هو إن الإثنين " صح " .

المشكلة في الصراع إنه مش بين شخصين ، هو صراع داخلي بين شخصيتين . بين تأثير التربية و المجتمع ، و تأثير الخبرات الحياتية .

و لإن االإثنين صح ، و لإن كل شئ نسبي يصبح  الإزدواج ضرورة للتعايش . فالبنطالون مش ضروري ، لكن لازم يتلبس في مناسبات معينة ، أو إرضاء لجمهور معين . 

إن مسئولية البيت يمكن تشاركها ، و لكن إسمًا يجب أن تظل مسئولية الست ، و الست وحدها .

إن لو سبتيه يمسكها يا فوزية ، يجب أن لا يتم هذا أمام شهود ، سيتوقع الجميع أن حنفي سيحاول أن يمسك إيدك ، و سيتوقع الجميع إن إيديك أنشف من إيده و إنه بديهي إنك هاتسيبيهاله يمكن تطرى . لكن لن يريد الجميع معرفة تلك التفصيلة ، سيريدون منك إخفائها و إدعاء إنها لم تحدث أبدا .

سيترك لك المجتمع هامش تحديد مساحة التفريط ، مع نشر كل التحذيرات الممكنة من مغبة الثقة في حنفي ، اللي ممكن بمنتهى البساطة يسيبك لإنك فرطتي في أكثر مما كان يتوقعه .

لإن حنفي جزء أصيل في المجتمع و سبب رئيسي من أسباب الصراع .



تصبح تكلفة الهروب من شبح فوزية هي عدم الإتساق . و التضحية بما نراه صحيحا لفعل ما نراه خطأ ، لإن هذا الخطأ مقبول .

يصبح الرقص على الحبال مهارة واجبة .


و يصبح الشعار " إبقي سيبيه يمسكها يا فوزية " .. بس ما يمسكهاش قوي .




6 comments:

L.G. said...

تصدقي بالله انا ندمت اني سمعت كلام ماما بتاع عيب وحرام ايام الجامعة انا الوحيدة في اصحابي اللي متجوزتش وكل اللي كانوا مصاحبين هم اللي اتجوزوا
:(((((((((
ضحكت عليا بحسها زي ما تكون حتقولي كنتي سيبيه يمسكها يا فوزية :))))))))) نفس الفكرة
لو كان ليا بنت كنت حقولها اتعرفي بس في النور

Shimaa Gamal said...

تعليقك محتاج بوست لوحده :)

أنا بأكتب حاجة ذات علاقة :)

ممكن على بكرة كده تلاقيها منورة :)

ياسمين خليفة said...

البوست بتاعك بيدل على ازداوجية المجتمع وصعوبة وقسوة القواعد اللي بيحطها للبنت
المفروض التزام البنت بقواعد اخلاقية معينة يكون نابع من اقتناعها بصحة القواعد دي مش علشان خاطر المجتمع يرضي عنها لأن المجتمع عمره ما هيرضي مهما حاولنا اننا نرضيه البنت اللي مش بتصاحب بيحترموها وبعدين لما متتجوزش يقولو ا عليها معقدة والبنت اللي بتصاحب بيقولوا عليها قليلة الأدب بس لو عرفت تتجوز اللي مصاحباه بيقولوا عليها شاطره وكأن الهدف من كل شيء في الحياة هو الجواز

kochia said...

صراع بين الصح والصح .. طيب وبعدين ..حطيتي ايدك علي مشكلة هوية تقريبا ملهاش حل علي الاقل قريبا وعدم الاتساق ده اللي بيعمله كتير بينعكس علي المجتمع كله الغير متسق ايضا للاسف
طيب يبقي نخليه يمسكها وخلاص
تحياتي

Shimaa Gamal said...

ياسمين و كوشيا

أسفة على التأخر في الرد ، تعليقاتكم تستحق تدوينات أخرى طويلة

كلنافوزية فعلًا و كلنا محبوسين في صراع المفروض نكون تجاوزناه

لكن في هذا الجزء من العالم ، مناقشة تدوير العجلة فرض ، و أزمة ، و جدال لا ينتهي

تعليقاتكم بتسعدني

رحــــيـل said...

هايل هايل هايل فعلا
وواقعي وحقيقي ومؤلم