Tuesday, April 30, 2013

ألو ... إنتِ فين


أنا كائن بيتوتي . لا أحب الخروج ، لأسباب عديدة . المهم إنه قلما أن أقرر الخروج . و لكن حين أقرر الخروج أواجه سيل من التحقيق . خارجة ليه ؟ مع مين ؟ رايحين فين ؟ و بعد التحقيق الموافقة على طلبي للخروج في المعتاد بتكون مصحوبة بنظرة إمتعاض .
و طبعا زي معظم البنات في مصر ليا ميعاد أكون فيه في البيت . و كمان ليا عدد ساعات متوقعة برة البيت . ماينفعش أخرج من الساعة 8 الصبح و أرجع 10 بالليل .
من إسبوع كده قررت أخرج . و بعد إجابة أسئلة التحقيق و نظرة الإمتعاض و الدوشة و الزن تمكنت أخيرا من مقابلة أصدقائي . و كان وقتًا ممتعا جدا لم يشوبه إلا قلقي في الإستغراق في الإستمتاع بالصحبة الحلوة و التأخر عن العودة  في ميعادي إلى منزلنا العامر .
وفي أثناء إندماجي في الحديث فجأة رن جرس الهاتف ، قرر بابا إنه يكلمني علشان يسألني " إنت فين " . المكالمة كانت قبل الميعاد المتوقع فيه عودتي للمنزل بنصف ساعة . قرر بابا إني إتأخرت . و طبعا كان علي المغادرة . بغض النظر عن إستمتاعي بالصحبة أو إني المفروض لسة في مدة إطلاق سراحي وقت .
في طريق العودة ، قرر أخي مكالمتي . " ألو .. إنت فين " . " أيوة يعني فين " . " راكبة تاكسي ولا حد موصلك " . أسئلة متتابعة . و مكالمة لم تفصلها عن مكالمة بابا سوى عشر دقائق . و كانت هذه المكالمة القشة التي أفسدت أمسيتي .
الفكرة إني كنت مبسوطة . و أنا مش بأخرج . و السرمحة مش طبعي . و مع ذلك قرر بابا و أخويا إنهم يعكننوا عليا اليوم بإصرارهم على " إحراجي " أمام أصدقائي . بيكلموني يسألوني أنا فين و مع مين ليه ؟ ده ناقص يطلبوا يكلموا أصدقائي للتأكد من صحة روايتي .
أنا عندي 34 سنة . و مع ذلك بأستأذن علشان أخرج . و ممكن عادي بابا يرفض الخروج أو يطلب إني أغير المكان . سواء صراحة أو بسلاح منتشر في البيوت المصرية و هو ضرب البوز .
النتيجة إنهم عكننوا عليا فعلا . ضيعوا وقت كنت أفضل تمضيته في أحاديث لطيفة . و كانوا شبح مخيم على أمسيتي من وقت إتفاقي مع أصدقائي . شبح قلق إن بابا مش هايوافق ، شبح قلق إنه هايضرب بوز لأجل غير مسمى لأسباب غير معروفة ، شبح قلق إني أنسى ميعادي . و أخيرًا شبح المكالمات المستفزة ، لإشعاري بالذنب إني فكرت في ترك الكنبة ، الكنبة التي طالما إشتكى أبي إني لازقة فيها مش بأخرج !
في المعتاد البنات بتتخانق . بتتخانق علشان تعمل اللي هي عايزاه . بس أنا مش بأحب أتخانق . مش شايفة أصلا سبب للخناق لإني مش شايفة سبب للخنقة .
الغلاسة من الأهل بسبب القلق . بس السؤال القلق من إيه . كنت في الأول بأقول إنه قلق عادي . بس إكتشفت من الملاحظة إن الغلاسة تتناسب طرديا مع الصحبة اللي أنا قررت أغادر الكنبة لمقابلتها . إن كانت الصحبة معروفة فنسبة الغلاسة أقل و إن كانت الصحبة مجهولة . فالغلاسة بتوصل لأعلى الدرجات و خاصة لو كان الخروج بالليل .
و ده معناه إن الغلاسة لمنعي بالأساس من العط . سواء الغلاسة بقى بتكون مقصودة أو لا إرادية . فأكيد هي بالأساس لمنعي من إرتكاب ما قد يراه أبي خطأ .
و الخطأ يبدأ من إزاي ترجعي متأخر قدام الجيران ، أو إني أكون بأقابل واحد ( خارجة مع راجل لا سمح الله ) . أو إني أتعاطى المخدرات ، مثلاً ؟؟ . عقلي الصغير لا يمكنه تخيل هو إيه اللي بابا بيحاول يحميني منه بالغلاسة و التدقيق في بقابل مين و ليه و فين و بأرجع الساعة كام . هو أكيد عنده أسبابه الوجيهة .
و ده يؤدي لسؤال تاني ، ماذا لو قررت شيماء العط ؟
هو ليه مش من حقي إني أقرر ، و أنا في أرزل العمر ده ، إني أعمل حاجة غلط ؟
طبعا السؤال مجرد كليشيه مقرر . الحكاية هايترد عليها من بنات كثير إني أنا الغلطانة علشان لازم أحارب من أجل الحرية .
السؤال أنا ليه لازم أنتزع ما هو ملكي أصلاً ؟
 أنا بالأساس حرة في تقرير مصيري . قراري أصلا بإحترام قلق والدي نابع من حريتي في تقرير مصيري .
أنا قادرة على الرخامة المضادة . و قادرة على فعل ما يفعله الأخرون من أجل الحرية . و لكني للأمانة شايفة إن الحياة أقصر من الخناق على أنا خارجة مع مين و ماتتأخريش برة . لو ده هايخليه ينام مرتاح أنا هأعمله .
بس مش هي دي النقطة اللي شغلاني . النقطة اللي شغلاني إنه دائما في حد بيحاول يمنع شخص أو اشخاص من إرتكاب الخطأ .
أنا ممكن أفهم الحجر على الأطفال الغير مدركين للعواقب . أو حتى المراهقين الغير مقدرين لحقائق الأمور .
لكن بعد مجموعة خبرات معينة ، لماذا يصر الجميع على فرض رؤيتهم للصح و منع الأخرين من التفكير حتى في إرتكاب ما يرونه خطئًا .
نلاقي مثلا خناق مع الناس اللي مش بتصلي . إنت مالك ؟ واحد قرر إنه مش عايز يصلي تتخانق معاه ليه ؟
و الخناقة أوسع مع فكرة إن في ناس عندها دين تاني أو حتى إختارات تكون بلا دين .
لو سألت حد من اللي بيتخانق علشان الناس تعمل اللي هو شايفه صح هايقولك مثلا إن الناس دي بتضر نفسها و هو عايز يحميها من ده .
إنت بقى بتحميهم ولا بتحمي نفسك ؟
في الأغلب بتحمي نفسك ، جزء لإن الخطأ ممكن يضرك .
مثلا لو قررت شيماء تعاطي المخدرات هذا سيؤثر بالسلب على بابا . و بكده لازم بابا يتأكد إنه عمل اللي عليه من كل النواحي علشان مايجبش لنفسه مشكلة بطريقة غير مباشرة .
أو بتحمي نفسك لإن  لو صديقك فعل الفاحشة ممكن تقلده و إنت مش عايز تمشي السكة دي .
أو بتحمي نفسك لإن الناس اللي مش بتصلي دي ممكن حياتها تبقى كويسة و فرحانة و إنت في قناعتك إن تارك الصلاة آثم و ربنا بيعاقبه . و وجودهم بحياة مريحة فيه تهديد مباشر و غير مباشر لقناعتك دي .

في أسباب كثير تخلينا كلنا نحاول نبقى صح ، و الأهم نحاول ننشر الصح ده .
بس إيه المشكلة في إننا في أثناء محاولتنا إننا ننشر الصح ده نحافظ على حق اللي قدامنا في إنه يعيش زي ما يحب .
يعني مثلا ، ماذا لو قررت لا قدر الله إني أخرج و ماذا لو لا سمح الله رجعت مبسوطة . ليه لازم أثبت لكل الناس إنه لم يحدث ما يمس منظومتهم القيمية في هذا الوقت ؟
أعتقد إن أهم جزء في حياة الإنسان هو حقه الأصيل في إرتكاب الخطأ .
البشرية كلها بُنيت على الخطيئة .

No comments: